المسؤولية المدنية الدولية الناشئة عن قرارات الذكاء الاصطناعي: إشكالية الفعل الضار العابر للحدود International civil liability arising from artificial intelligence decisions: the problematic of cross-border tortious acts.  

يتناول هذا البحث الإشكالية المعاصرة والمُلحّة للمسؤولية المدنية الدولية الناشئة عن الأضرار التي تسببها قرارات أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة عندما تتجاوز آثارها حدود الدولة الواحدة. تبدأ الدراسة بتأسيس إطار مفاهيمي، حيث تعرّف الذكاء الاصطناعي وتستعرض خصائصه الجوهرية المؤثرة قانونًا، مثل الاستقلالية والتعلم الذاتي وغموض "الصندوق الأسود"، والتي تجعله فاعلاً مختلفاً جذرياً عن الأدوات التقنية التقليدية.
ينتقل البحث بعد ذلك إلى تحليل نقدي معمق، ليثبت أن القواعد القانونية التقليدية للمسؤولية المدنية، القائمة على أركان الخطأ والضرر وعلاقة السببية، أصبحت قاصرة عن مواجهة هذا التحدي. فقد أصبحت عملية إثبات الخطأ في جانب كيان غير عاقل أو مطور حسن النية شبه مستحيلة، كما أن علاقة السببية تضعف أو تنقطع بفعل استقلالية الآلة، مما يخلق "فجوة مسؤولية" خطيرة. ويزداد الأمر تعقيداً على الصعيد الدولي، حيث تفشل قواعد تنازع القوانين والاختصاص القضائي التقليدية، القائمة على ضوابط مادية مثل "مكان وقوع الفعل الضار"، في التعامل مع الطبيعة اللامادية والعابرة للحدود للفعل الرقمي.
أمام هذا القصور، يستعرض البحث الحلول والاتجاهات الحديثة، ويخلص إلى أن المستقبل يكمن في التحول عن المسؤولية القائمة على الخطأ إلى "المسؤولية الموضوعية" القائمة على المخاطر. وبموجب هذا النموذج، يتحمل مطور أو مشغل النظام عالي الخطورة مسؤولية الأضرار الناتجة عنه دون الحاجة لإثبات خطئه. كما يؤكد البحث على أهمية الآليات التكميلية كالتأمين الإلزامي وإنشاء صناديق تعويض خاصة لضمان حصول الضحايا على جبر فعال لأضرارهم.
ويختتم البحث بدعوة المشرعين على المستويين الوطني والدولي إلى التحرك العاجل لوضع أطر قانونية واضحة وموحدة، واقتراح إبرام اتفاقيات دولية تضع قواعد خاصة لتسوية هذه المنازعات، لضمان تحقيق التوازن المنشود بين تشجيع الابتكار التكنولوجي وحماية حقوق الإنسان في العصر الرقمي.